يمتلك محمد ساميّ روح العملية الإبداعية في الدراما المصرية، ويجيد استخدام جماليات الصناعة بأبسط التفاصيل، ومن المشاهدة الأولي للعمل أكتشف أن “ساميّ” إستطاع بنعومة شديدة وبساطة مدهشة أن يجعل من نعمة الأفوكاتو نجمة من طراز رفيع؛ تنافس بنات جيلها، وتضع نفسها في الصفوف الأمامية بموهبتها الأصيلة الثرية التي تمتلك الكثير لتقدمه، بعد أن تمكنت من ثقة قاعدتها الجماهيرية كبطلة مطلقة.
كثيرة جدًا هي الأعمال التي تُقدم علي المائدة الرمضانية، ولكن
قليلة هي الأعمال التي تجذبني إليها بعد هذا العمر الذي قضيته عاشقًا في محراب العملية الإبداعية بمختلف نواحيها، ونادرة هذه التي تجبرني علي الغوص في تفاصيل بنائها الدرامي؛ لإلتقاط فصوص الألماظ الثمينة التي إستطاع العمل أن يستحوذ بها علي هذه النجاحات المنقطعة النظير، والتي أمنتها له القاعدة الجماهيرية العريضة في مصر والوطن العربي.
في الكثير من الحلقات جلست ألتقط هذا الخيط الكوميدي الفص الألماظ الحر الأصيل الذي وضعته روح محمد سامى، كمخرج له بصمه تميزه عن أبناء جيله، وتضعه في قمة هرم الدراما التليفزيونية..
الضحك وخفة الظل فصوص أصيلة وسط عقد من المعادن الفنية التي حركها من نجوم العمل، ليكشف لنا عن كوميديا الموقف، وخفة ظل الشخصية المصرية الأصيلة، التي كدنا أن نفتقدها من زمن أرابيسك وليالي الحلمية والجيل الذهبي الذي أثري عالمنا الإبداعي؛ كان “سامي” دقيقًا في اختيار خطوط كثيرة تسببت في هذا الكم الضخم من الشفرات التي عقدها مع جمهوره، ليحصد قلبه أولًا، ثم عقله ووجدانه؛ كان دقيقًا في مشاهد القهوة، وهو يستدعي أم كلثوم ووردة، وجيل الستينينات، ممن أثروا الذاكرة الجمعية العربية بالمشاعر؛ فكانت أحد الخطوط الرزينة التي أثقلت شخصيات العمل؛ كخلفية ومؤثر، كما كان حريصًا علي المرور بنا في الأماكن الشعبية، والحديث عنها بسلاسة؛ وهي كلها شفرات حسية وضعت ثقة البسطاء وقاعدتهم في محبة العمل، وغيرها من التفاصيل التي لا حصر لها.
“نعمة” الفتاة المصرية الأصيلة؛ التي تمثل الطهر والنقاء والشفافية والصدق، هذه الشخصية البيوتوتية التي تعيش بيننا ونراها ونعشقها جميعًا، دون أن نعرف سبب العشق؛ استطاعت “مي عمر” بقيادة “محمد سامى” أن تتقن فن التشخيص، كما يجب أن تكون كثير من المشاهد التي تستوقفك؛ قدرتها علي تحريك عضلات الوجه، ونظرات العين، وتساقط الدموع، بتقمص عفوي قادر علي إظهار الإبداع بأدق التفاصيل.
تخلصت “مي عمر” من كل الشوائب والعوامل الخارجية، ومنحت روحها لنعمة الأفوكاتو، تشربت الشخصية لدرجة أن كلمة “يا لهوي”، وشرب “حلبة بحليب”، وخلع الحذاء أثناء ركوب السيارة، وحكة الرأس وقت التفكير، وموتيفات كثيرة، جعلت من “نعمة” شخصية العام الدرامية بلا منازع، وجعلت من “مي عمر” نجمة في قمة الهرم الإبداعي وللحديث بقية..