أخبار العالمعاجل

النيجيريون يحتفلون بالإستقلال اسمياً ويعيشون استعمارًا واقعيًا

كتبت: ساراتو محمد


يحتفل النيجيريين اليوم ١ أكتوبر ٢٠٢٤م، بعيد استقلال جمهورية نيجيريا الإتحادية، التي نالت استقلالها من بريطانيا بعد إستعمار دام ١٠٠ عام منذ ١٨٦١ – ١٩٦٠م.

نبذة عن إستعمار بريطانيا لنيجيريا:
استعمرت بريطانيا نيجيريا طمعاً في ثرواتها الطبيعية الطائلة، بعد إنشاء “الجمعية الجغرافية” في لندن عام ١٧٨٨م، حيث قرّرت البعثات الأوروبية الذهاب إلى قارة إفريقيا، لاكتشاف أنهارها وثرواتها لنهبها، وقد نجحت  الجمعيات الجغرافية في كشف الأنهار وأسرار القارة الداخلية، ومعرفة وتقييمٍ ثرواتها المعدنية والزراعية.

يذكر التاريخ أن استعمار بريطانيا لنيجيريا الرسمي دام نحو ١٠٠ عام، ولكن وجود الإنجليز في نيجيريا بدأ منذ ٤٠٠ عام، تحديداً في أوائل القرن السادس عشر، حيث كان هدف بريطانيا من وجودها في نيجيريا، هو تعزيز التجارة، خاصة تجارة زيت النخيل والعاج، وأنشأت بريطانيا الموانئ في نيجيريا، من أجل إرسال البضائع إلى بريطانيا، وفي القرن السابع عشر وطّد الإنجليز وجودهم في نيجيريا، وأسسوا العديد من الشركات في المناطق الساحلية لإستيراد وتصدير البضائع.

وبعد مجيء دول استعمارية أخرى إلى سواحل غرب إفريقيا، كالفرنسيين والألمان والبلجيك، أراد البريطانيين ضمان سيطرتهم على نيجيريا، فأعلنوا فرض حمايتهم عليها، ثم احتلالها في عام ١٨٦١م، ومع سيطرة الإنجليز على مناطق واسعة من نيجيريا، أصبح هدفهم وضع يدهم على تجارة المواد الخام، وخلق أسواق جديدة لتصريف منتجاتهم، ويسمى هذا الإستعمار، “بالإستعمار الإستغلالي”.

لم ينتهي مسلسل وجود الإنجليز في نيجيريا بنهاية الإستعمار، بل مازال الإنجليز متواجدين في نيجيريا، يتمتعون بثرواتها كما هم! وتعد انجلترا من أكبر الدول الأوروبية التي تستثمر في العديد من المجالات بنيجيريا مثل: الأمن والصحة والتعليم والتجارة والبناء، والتكنولوجيا وغيرها، وبلغت واردات نيجيريا من المملكة المتحدة ٥.٤ مليار دولار عام ٢٠٢٣م، بزيادة قدرها ١.٢ مليار دولار من عام ٢٠٢٢م، وبلغت الصادرات النيجيرية إلى بريطانيا ٤.١ مليار دولار في عام ٢٠٢٣م، بزيادة ١.٤ مليار جنيه استرليني عن عام ٢٠٢٢م، كما إن انجلترا من أكثر الدول الأوروبية التي يرسل إليها أغنياء نيجيريا أبناءهم للدراسة مدفوعة الأجر، ويمتلكون بها أملاكاً وسيارات، وتستفيد انجلترا داخلياً وخارجياً بأموال النيجيريين، وفي المقابل يعيش أغلب الشعب النيجيري في مثلث الفقر والجهل والمرض.

الموقع والمساحة:
– تقع نيجيريا في غرب قارة إفريقيا، شمال خط الإستواء بين دائرتين عرض ٤° – ١٤° شمالاً، وبين خطي طول ٣° – ١٥° شرقاً، وتتميز نيجيريا بأربع أقاليم مناخية، مما يجعلها غنية بالثروات الطبيعية المتنوعة.
– تقدر مساحة نيجيريا بحوالي ١مليون كم، ويبلغ طول سواحلها ٨٥٣ كم٢.
– تحد الكاميرون نيجيريا من الشرق، ومن الشمال الشرقي تشاد، ومن الشمال النيجر، ومن الغرب بنين، ومن الجنوب خليج غينيا.
– تتكون نيجيريا من ٣٥ ولاية، وعاصمتها “أبوجا – Abuja”، التي تقع في وسط البلاد، وهي المركز الإداري للدولة، وتعد “لاجوس” من أهم  المدن التجارية في نيجيريا، وتقع على ساحل خليج غينيا، وكانت عاصمة البلاد.

الثروات، والأنشطة الإقتصادية:
يوجد في نيجيريا عدد من الأنهار، أهمها نهر النيجر، الذي أطلق الرحالة الأوروبيين عليه وعلى مجموعة الأنهار المتصله به، “أنهار الزيت”، لأن تلك المنطقة اشتهرت بأجود أنواع زيت النخيل، ويوجد في نيجيريا العديد من الموارد الطبيعية الهامة والطائلة، كالذهب والفحم الحجري، وخام الحديد والرصاص، والحجر الجيري، والزنك، كما يوجد في هضبة جوس بوسط نيجيريا، مناجم القصدير، والكولمبيت، وغيرها من ثروات..

تعد الزراعة النشاط الإقتصادي الرئيسي في نيجيريا، و٩٠% من المحاصيل غذائية مثل: البطاطا، الذرة، الأرز، والأعلاف، وباقي المحاصيل تجارية، كقصب السكر، الكاكاو، المطاط، القطن، الفول السوداني، الفستق، زيت النخيل، والأخشاب،وكانت تلك المحاصيل التجارية تشكل ٨٠% من الصادرات في نيجيريا، وبعد اكتشاف النفط أصبحت في المرتبة الثانية، ولكن تواجه الزراعة في نيجيريا العديد من التحديات، كنقص التمويل والتكنولوجيا الزراعية المناسبة، وسوء إدارة الموارد.

ويعد قطاع التجارة من أهم القطاعات حيوية لإقتصاد نيجيريا، حيث أن نيجيريا تعد مركزاً هاماً لرواد الأعمال والمستثمرين، فهي أكبر اقتصاد في قارة إفريقيا، واقتصادها من أسرع الإقتصادات نمواً في العالم، وتعد الوجهة الأولى للإستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، وبها أكبر عدد من السكان في القارة، مما جعل العديد من الشركات تتدافع للإستثمار بها، ومن أهم خمس دول في قائمة الواردات إلى نيجيريا لعام ٢٠٢٤م، جاءت الصين، التي تصدرت قائمة الشركاء الرئيسيين بحجم واردات قيمتها ٣.٠٣٠.٣٣ مليار نيرة، ٢٤.٢٩% من إجمالي الواردات.
وجاءت بلجيكا في المرتبة الثانية، بحجم واردات بقيمة ١.٧٩٠.١٠ مليار نيرة، ١٤.٣٥%.
وجاءت الهند في المرتبة الثالثة، بحجم واردات قيمتها ١.٠٥٩.٥٨ مليار نيرة، ٨.٤٩%.
وجاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الرابعة، بحجم واردات قيمتها ٩١٧.٨٤ مليار نيرة، ٧.٣٦%.
وجاءت وهولندا في المرتبة الخامسة، بحجم واردات قيمتها ٥٨٥.٣٠ مليار نيرة، ٤.٦٩%.

تتمتع نيجيريا بالعديد من الثروات الطبيعية الهائلة والهامة، والتي تقوم عليها أكبر الصناعات، إلا إن قطاع الصناعة في نيجيريا فقير للغاية، وعلى الرغم من ضعف الصناعة في نيجيريا، إلا إن نيجيريا تتميز بالإتقان والجودة في الصناعة، كصناعة النسيج الإفريقي، صناعة خيوط نخيل الرافيا، صناعة الجلود الطبيعية، صناعة الذهب والفضة، صناعة تكرير البترول، صناعة صهر القصدير وتركيزه، صناعة المنتجات الخشبية، صناعة الزيوت النباتية، صناعة السكر، صناعة الصابون وأدوات العناية بالبشرة والشعر، صناعة العصائر، والمشروبات، صناعة الكاكاو، وصناعة زيت جوز الهند، كما تعد الثروة الحيوانية مصدراً هاماً للإقتصاد النيجيري، كصناعة حفظ اللحوم، والحليب وغيرها من مصنعات.

المراتب التي تحتلها نيجيريا:
– تعد نيجيريا أكبر إقتصاد في قارة إفريقيا، وتوصف بـ “عملاق إفريقيا”، ومع التوسع في القطاعات: المالية، والتصنيع، والخدمات، والتكنولوجيا والإتصالات، والترفيه، صنفت نيجيريا في المرتبة الثلاثين على مستوى العالم، من حيث الناتج المحلي الإجمالي، كما يوجد بنيجيريا أغنى رجل في إفريقيا، وهو “أليكو دانغوتي”.

– تعد نيجيريا أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، الذي يبلغ نحو ٢٣٠مليون نسمة، وتحتل نيجيريا المرتبة السادسة من حيث عدد السكان على مستوى العالم.

– تحتل نيجيريا المرتبة الثامنة كأكبر احتياطى للنفط الخام، وتاسع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي على مستوى العالم، وجاءت نيجيريا في صدارة قائمة أكثر الدول امتلاكاً لاحتياطي الغاز في أفريقيا بنهاية عام ٢٠٢٣م، وتعد نيجيريا أكبر الدول الأفريقية المنتجة للنفط في أوبك، وتعد شركة نيجيريا النفطية الوطنية، أكبر شركة نفطية في قارة إفريقيا، ويسيطر على قطاع النفط مجموعة معينة من النيجيريين، ويعرف هذا القطاع، بتفشي الفساد والرشاوي فيه.

– تحتل نيجيريا المرتبة الأولى في إفريقيا، والثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة، في مجال صناعة السينما، ويطلق على السينما النيجيرية،”نوليوود – Nollywood “، وتنتج نيجيريا ٢،٥٩٩ فيلماً سانوياً، بإيرادت تصل إلى ١٥،٣٢ مليون دولار، وتنتشر الأفلام النيجيرية في جميع أنحاء إفريقيا والعالم، حيث إن استخدام اللغة الإنجليزية في الأفلام النيجيرية، بدلاً من اللغات المحلية، أدى إلى تسهيل عملية تسويق الأفلام خارج نيجيريا، كما حصلت بعض الأفلام النيجيرية على العديد من الجوائز في المهرجانات والمحافل السينمائية الدولية، وتساهم بنسبة ١.٤% من الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا، باستثمارات تقدر بـ ٧.٢ مليار دولار، وعلى الرغم من كل هذا، إلا إن دور العرض السينمائية في نيجيريا محدوداً للغاية، ولا تتجاوز ٥٦ دار عرض.

– تحتل نيجيريا المرتبة الثالثة في قائمة الدول الرائدة في إنتاج بذور السمسم على مستوى العالم، حيث تشكل إحدى المنتجين الرئيسيين لهذا المحصول الزراعي على مستوى العالم، ويصل إنتاجها إلى ما نحو ٧٥١.٠٠٠ طن سنوياً.

– تحتل نيجيريا المرتبة الثالثة، في إنتاج الكاكاو في قارة أفريقيا، بعد ساحل العاج وغانا، والمرتبة الرابعة على مستوى العالم، تنتج نيجيريا ٣٤٠.١٦٣ مليون كجم سنوياً.

– تحتل نيجيريا المرتبة الثالثة في إنتاج الفول السوداني على مستوى العالم، بعد الصين والهند، وتنتج ٤.٥ مليون طن سنوياً.

– تحتل نيجيريا المرتبة الرابعة في إنتاج الكاجو على مستوى العالم، بعد ساحل العاج، الهند، وفيتنام، وتنتج ٤٠٥.٠٠٠ طن سنوياً.

– تحتل نيجيريا المرتبة الثامنة عالمياً في إنتاج الأخشاب، لما تمتلكه من غابات واسعة.

– يوجد في نيجيريا أكبر مصنع لإنتاج زيت جوز الهند في قارة إفريقيا، بالمصنع مصفاة “سانت جابرييل” هي الأولى من حيث الحجم ومستوى الأداء، المصفاه لعصر جوز الهند وإنتاج الزيت، يعمل بالمصنع أكثر من ٣ آلاف عامل وموظف.

– تعد نيجيريا أكبر سوق لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات في إفريقيا.

أداء الحكومة:
تعد البنية التحتية في نيجيريا سيئة للغاية، وتحتاج إلى تأسيس كامل وشامل، حيث يعاني جموع من الشعب النيجيري، من سوء شبكات الصرف الصحي، المياه، الطرق والمواصلات، الكهرباء، التي يتم قطعها طوال اليوم، على الرغم من إن نيجيريا، ترسل إمدادات من الطاقة إلى دولة النيجر!

يواجه قطاع الصحة في نيجيريا، كثير من التحديات كعدم توفير الموارد اللازمة للنظام الصحي، والتي تؤثر على جودة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين.

ويعد التعليم في نيجيريا من أبرز القضاية الإجتماعية، حيث تواجه المدارس الحكومية صعوبات في تقديم التعليم الجيد والمناسب للطلاب، وينعكس ذلك على مستوى تعليم المواطنين وقدرتهم على المشاركة في سوق العمل، ويرجع كل هذا إلى تفشي الظلم، الناجم عن الفساد المؤسسي والإداري، الذي لا يعنيه سوى المصالح الشخصية.

المواطن:
يعيش نسبة كبيرة من النيجيريين حياة صعبة للغاية، يعانون من توزيع غير عادل للثروة، ويوجد تفاوت كبير بين مستويات الدخل، ويتركز الثراء لدى مجموعة معينة من النيجيريين، فحين يعيش الفقراء غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية كالغذاء والتعليم، والعلاج، ودون أن توفر لهم الدولة، المرافق الأساسية مثل: توصيل المياه الصالحة للشرب، الكهرباء، والصرف الصحي الجيد، والطرق الأمنة.. يعيش الأغنياء الرفاهية العالية، يعيشون في مساكن فاخرة، ويمتلكون سيارات فارهة، ومعظمهم من ذوي السلطة، التي تدفع بسياسة الدولة بمصلحتهم، فبالرغم من كل ما تمتلكه نيجيريا من مقومات، تجعلها أولى الدول المتقدمة، إلا إن كل تلك الميزات لم تنعكس على مستوى معيشة النيجيريين، الذين يعيشون الفقر المدقع، فقد ترك المستعمر قبل أن يذهب مجموعة من الفاسدين، وسلم لهم مفاتيح الدولة ليخدموا مصالحهم، وتتوارث تلك المجموعة جيل وراء جيل، وعندما يأتي شخص ويحاول إصلاح البلاد، تقف تلك المجموعة أمامه، ويغوه بالمال الكثير، وإن رفض واستمر في الإصلاح، يكون مصيره الإغتيال، وكل نيجيري يعلم ذلك.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى