اجتماعى

“كل وأشكر”.. كعك العيد و”العيدية” موروثات بنكهة الفرحة

عادات تتوارثها الأجيال لا يهزمها الزمن أو الغلاء في مصر

كتبت – دينا رشاد:

“كعك العيد”عادة مصرية بطعم السكر لها رائحة مميزة لا يخلو منها بيت في ربوع أم الدنيا وعلى خطاها سار العالم العربي.. مهمة شاقة بنكهة السعادة لربات البيوت قبل انقضاء الشهر الفضيل بأيام، موروث مصري له جذور ضاربة في عمق التاريخ، وتحديدا منذ عصور الفراعنة، كانوا يصنعونه في الأعياد والمناسبات السعيدة، بأشكال زاهية ومذاقات متعددة، تعبيراً عن الفرح، ويُقدم للضيوف.

الكعك يتحدى الزمن

على مر العصور وبتحدي للزمن والتطور والحداثة في مجال تصنيع الحلويات استمرت هذه العادة تحديدا وفي نفس التوقيت في ربوع المحروسة سنويا حتى بعد دخول الإسلام مصر، قبل أكثر من 14 قرناً، وصار طبق “كعك العيد” الطقس الرسمي وجزءًا لا يتجزأ من مظاهر اﻻحتفال بعيد الفِطر
وبسبب عشق الكثير من المصريين للموروث الثقافي، تحولت عادة “كعك العيد” إلى صناعة منذ عقود وحتى الآن، يعمل عليها الآلاف في المخابز ومحال الحلوى باختلاف شهرتها، ورغم أسعاره وتكاليف صناعته الباهظة وفي ظل غلاء متصاعد على مر العصور لم يبخل المصريون باستقبال العيد بـ”صواني الكحك، والبسكويت، والبيتي فور”.

أشكال ومذاقات

ولـ”كعك العيد” أصول قديمة، مرتبطة بموسم بذر البذور، إذ كان يُصنع من الدقيق والسمن، ويوضع عليه كميات من العسل، ويكون على شكل قرص، وكان بعض القدماء يشكلونه أيضا على هيئة أشكال هندسية أو زهور، ويحشونه بالتمر المجفف “العجوة”.

ولم يقتصر الأمر في صناعة “كحك” قدماء المصريين على الأعياد فقط، بل كان هناك نوع مخصص لزيارة المقابر ويطلق عليه حاليًا “الرحمة أو الفتوت”.

ويَذكر التاريخ أن كحك العيد ظهر لأول مرة منذ حوالي 5 آلاف عام، إذ اعتادت زوجات الملوك تقديمه للكهنة القائمين على حراسة هرم خوفو، وتفنن الخبازون في تصنيعه بأشكال متنوعة منها: “المخروطي، واللولبي والمستطيل، والمستدير” وكان يُنقش بما يقرب من 100 نقشة بأشكال مختلفة، وشهدت صناعته تطورًا كبيرًا بمرور الزمن.

وفي عهد الدولة الطولونية، صنع القدماء الكعك في قوالب خاصة مكتوب عليها “كل وأشكر”، وحينها أصبح من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفِطر.

وخلال عهد الدولة الإخشيدية، صنع أبو بكر محمد بن علي المادراني وزير الدولة، كعكاً في أحد الأعياد ووضع داخله دنانير ذهبية، وأطلق عليه حينذاك “كعكة انطونلة”.

وخصص الخليفة الفاطمي ما يقرب من 20 ألف دينار لصناعة كحك عيد الفِطر، وتفرغت المصانع من منتصف شهر رجب لخبزه وملء مخازن السلطان به، الذي تولى عملية توزيعه.

تطور العيدية علي مر العصور

ظهرت العيدية في مصر في العصر الفاطمي، وكانت تعرف باسم “الرسوم” و”التوسعة”، وحرص الفاطميون على توزيع العيدية مع كسوة العيد على المواطنين بالإضافة إلى توزيع الدراهم الفضية على الفقهاء وقراء القرآن الكريم بمناسبة ختم القرآن ليلة الفطر. كما حرص الخلفاء الفاطميون على نثر الدراهم والدنانير الذهبية على الرعية الذين يأتون إلى قصر الخلافة صباح يوم العيد.

أخذت العيدية الشكل الرسمي في العصر المملوكي، وكانوا يطلقون عليها “الجامكية” وكانت تقدم علي شكل طبق تتوسطه الدنانير الذهبية أو الفضية، ويحيط به الحلوى والمأكولات الفاخرة، وتقدم العيدية من السلطان أو الحاكم إلى الأمراء وكبار رجال الجيش والدولة، وتختلف قيمة العيدية حسب الرتبة التي تقدم لها والمكانة الاجتماعية.

اختلفت طريقة تقديم العيدية خلال العصر العثماني، فأصبح يتم تقديمها للأطفال في صورة نقود، بدلا من تقديمها للأمراء، واستمر ذلك التقليد حتى وقتنا الحالي، حيث يأخذ الأطفال نقود العيدية من الأب والأم والأقارب بعد صلاة العيد مباشرة، ويفضل أن تكون نقودا جديدة. وأحيانا يتبادل المتزوجون العيدية كنوع من التهنئة بالعيد.

“العيدية” والصدقة.. بهجة الجميع.

في العيد أيضا، تتجلى ثقافة الإسلام الاجتماعية والإنسانية، حيث تلتقي القلوب على الود، ويجتمع الناس بعد افتراق وعبادة وزهد في كل مباح، كما أنه يذكرنا بحق الضعفاء، حتى تشمل الفرحة وتعم النعمة، في كل بيت، وهذا هو الهدف من تشريع “صدقة الفطر”.

ويبرز المعنى الإنساني للعيد، في اشتراك المسلمين بالفرح والسرور في وقت واحد، ليظهر اتحادهم بإجتماعهم في البيوت والشوارع والمساجد وحتى أماكن الترفيه والحدائق، فإذا بالأمة تلتقي على الشعور المشترك، وتقوى الروابط الفكرية والروحية والاجتماعية بينهم.

وتأتى “العيدية” كواحدة من أهم طقوس وعادات الاحتفال بالعيد في مصر وأكثرها انتشارا ورسوخاً، وتختلف قيمتها حسب السن، وكثيرا ما يحصل الصغار على العيدية من الأبوين والجدين والأعمام والعمّات والأخوال والخالات، وعادة ما تكون نقود العيدية جديدة وزاهية.

ومع اقتراب عيد الفِطر، يبدأ المغتربون التوافد على أماكن مولدهم، حيث تعيش العائلة والأهل، لقضاء إجازة العيد معهم فيكون مناسبة سعيدة، لتجميع كافة أبناء الأسر والعائلات على موائد واحدة للفرحة والبهجة كمكافأة بعد شهر الجهاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى