أراء و كُتابثقافةعاجل

قراءة معرفيّة في مشكلات المؤسسات التعليمية الإسلامية في غينيا – رؤية تحليلية نقدية

الكاتب والباحث/ العبد الطّامع إلى عفو ربّه ونيل رضاه: "كيمو بن محمد كوندي" باحثٌ في جامعة القاهرة- بكلّيّة دار العلوم، قسم الشّريعة الإسلاميّ - ومدرّبٌ معتمدٌ لمركز العهد للتدريب والتّنمية البشريّة في مصر

“مقدمة”
بادئ ذي بدء.. إن الحديث عن منظومة المؤسسات التعليمية الإسلامية في غينيا حديثٌ محوريٌّ ضروريٌّ يُنبئ عن مستقبل الإسلام، وعن قدرته على مواجهة تحديات الحياة العلمية والفكرية والسّياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتكنولوجية المتصاعدة في العصر الراهن.
وفضلا عن هذا، فإن مما لا شك فيه اليوم، أن جمهورية غينيا قيادةً وشعبًا، ولاسيّما الطوائف ذات النصيب الأوفر من التعليم والثقافة، مشغولون ومنشغلون بالعمل الجاد الدَّؤوب، على أن يكون مستقبل هذا الوطن أكثر رخاءً واستقرارًا واتسامًا بالسّلام الاجتماعي.
وبتعبير آخر.. أن غينيا اليوم قيادةً وشعبًا، منشغلة بما يمكن أن أسمّيه إن صحت التسمية( بصناعة المستقبل)..
ولا يساورني شكّ أن معظم أفراد القيادة والمؤسّسات والمجتمع يَعنِيهم مستقبل هذا الوطن، وأن يكون مستقبلاً متّسمًا بما ذكرتُه ابتداءً من ملامح وصفات، حتى لوكان الاختلاف بينهم بالغ الاتّساع وعميق الهوة فيما يتعلق بسبل ومناهج وطرق بلوغ ذلك الهدف الذي لا أخال أن هناك خلاف بشأنه، ولا أستثني من ذلك إلا الطّوائف التي قرّرتْ أن تتبنّى طروحات تُخاصم العصر والعلم وثمار التمدن الإنساني، ولكن رُغم تسليم الباحث بحسن نوايا معظم الأطراف المعنيّة؛ غير أنه يرى أن هناك ما يمكن أن يُوصَف اليوم في حقيقة الأمر.. بأنه خلل في الاهتمام والموازنة بين أدوات صنع المستقبل المنشود لهذا الوطن، والذي تتضافر فيه عناصر الازدهار الاقتصادي، والعدل الاجتماعي، والاستقرار السياسي، والسلام المجتمعي تضافرًا ينتج عنه مجتمع صحيّ، تسمح ظروفه بنوعية حياة أفضل للغالبية العظمى من أبنائه.
وتأسيسا على هذا، فإن الباحث يزعم أن صنع مستقبل أفضل لوطننا اليوم يعتمد أو يَتوقّف توقّفًا أساسًا على ثلاثة محاور رئيسية:
أولها: محور اقتصادي.
ثانيها محور سياسي.
ثالثها محور فكري ، أو بعبارة أخرى( محور تعليمي وثقافي).
غير أن الباحث لا يهمّه في هذه العجالة التركيز على هذين المحورين الأوليين بقدر ما يهمّه الآن التركيز على المحور الأخير، وهو المحور المتمثّل في( التعليم)..وذلك اعتبارا بكون مسألة التعليم في غينيا اليوم خاصة، وفي إفريقيا عامة تُشكّل المشكلة الجوهرية من وجهة نظر الباحث في تقهقر هذه القارة الإفريقية بأسرها.
ذلك لأن أية تنمية في أي دولة من الدول لا يمكن بحال من الأحوال أن تتم خارج رحم التربية ومناخها، وإن المدارس والمعاهد العلمية والتربوية، هي طريق القادة السّياسيّين والاقتصاديّين والاجتماعيّين والتربويّين والإعلاميّين والعسكريّين وسائر المواقع الأخرى..(1).
فضلا عن أن العلم يغني الأمة الفقيرة، ولكن الغنى لا ينفع الأمة الجاهلة (2)..
بل لقد أصبح من المتفق عليه بين المفكّرين الآن إلى حدٍّ بعيد..أن الفروق بين الأمم المتقدّمة والأمم المتخلّفة هي فروق في مدى امتلاك هذه الأمم أو عدم امتلاكها للعقول المبدعة(3).
ولذا مهما حاولنا وتوهّمنا أن النّهوض والتّغيير والإصلاح في غينيا اليوم يمكن أن يتم خارج مواقع التعليم، فإن التاريخ والواقع والتجربة العالمية تؤكد أن التربية والتعليم هي التنمية بكل أبعادها، وأي مفهوم للتنمية بعيد عن هذا فهو مفهوم جزئي وعاجز عن تحقيق الهدف ..(4).

وبناءً على هذه المعطيات المعرفيّة الموضوعيّة الابستمولوجيّة المشار إليها تَوًّا؛ تأتي هذه المقالة المتواضعة لتسلط الضوء على أهمّ المشكلات والتّحدّيات التي تواجه مؤسساتنا التعليمية الإسلامية في غينيا في العصر الحالي، وذلك بغية دراسة هذه المشكلات المستعصية دراسة تحليلية نقدية استشرافية، مع تقديم الحلول الناجحة الناجعة إزاء تلكم المشكلات المتصاعدة في أروقة مؤسساتنا التعليمية الإسلامية المختلفة في غينيا، راجيا من المولى العليّ القدير أن يحقّق الآمال، وأن يكتب السّداد والرّشاد في الحال والمآل، إن أريد إلاَّ الإصلاح ماستطعتُ وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلتُ وإليه أنيب!!.

وسعيًا إلى تناولٍ منهجيٍّ لموضوعات هذه المقالة عني الباحث بتقسيمها إلى خمسة عناصر رئيسيّة:
العنصر الأول : في مقدّمة تمهيدية عن المقالة.
العنصر الثاني: في نبذة تاريخية مقتضبة عن جمهورية غينيا.
العنصر الثالث: في معضلات المؤسسات التعليمية الإسلامية في غينيا( أسباب وتحديات وإشكاليات)
العنصر الرابع: في المنهج المقترح لإصلاح المؤسسات التعليمية الإسلامية في غينيا.
العنصر الخامس: في خلاصة مُرَكَّزة كنتيجة لقراءة معرفيّة مُطوّلة

العنصر الأول: نبذة تاريخية مقتضبة عن جمهورية غينيا
أولا: التعريف بجمهورية غينيا اختصارا:
بالرّجوع إلى خريطة جغرافية لموقع جمهورية غينيا في المدونات الجغرافية والتاريخية كمذكرة تاريخ إفريقية الغربية والوسطى” للدكتور نوح سدبه”، وكتاب موجز تاريخ إفريقية” لأوليفر”.. نجد أن غينيا تقع في منطقة السودان الغربي، وهي المنطقة التي تُعرف اليوم بمنطقة( غرب إفريقيا) .
وتطلّ جمهورية غينيا غربا على المحيط الأطلسي في غرب إفريقيا، وشرقا تمتدّ بجمهوريتي مالي (Mali) وكوت ديفوار(ساحل العاج Côte Diviir) ،وجنوبا تقع ليبيريا (Liberia ), وسيراليون( Sierra- leon)، وشمالا وشمال شرق تحدها السنغال (Sénegal) وغينيا بيساو( Guinée Bissau).

ثانيا: مساحتها
تبلغ مساحة جمهورية غينيا: ٨٥٧، ٥٤٢ كلم.
ثالثا: الأقاليم الطبيعية الموجودة فيها
ويمكن تقسيم غينيا إلى أربعة أقاليم طبيعية:
1- غينيا السّفلى عاصمتها مدينة
( كنديا Kindia)، وهي المنطقة الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي.
2- وغينيا العليا تقع شرق البلاد، عاصمتها (كنكا kankan)
3- وغينيا الوسطى أو منطقة فوتا جالون عاصمتها (لابي Labé).
4- غينيا الغابية تقع جنوب البلاد، عاصمتها (نزريكوري Nzérékoré) .

رابعا : تاريخ استقلالها
وقد حصلت جمهورية غينيا على استقلالها في عام ٢٨/ سبتمبر / ١٩٥٨م ، لتكون أولى دولة في السّودان الغربي تحصل على استقلالها من الاستعمار الفرنسي.

العنصر الثالث: معضلات المؤسّسات التعليميّة الإسلامية في غينيا( أسباب وتحديات وإشكالات)
بعد حديثٍ مختصرٍ مختزلٍ عن جمهورية غينيا ابتداء من موقعها الجغرافي، ثم مرورا بأقاليمها الطبيعيّة المختلفة المتمثّلة في أربعة أقاليم طبيعيّة، فوصولا إلى تاريخ حصولها على استقلالها من الاستعمار الفرنسي؛ فالآن تعالوا معي لنحطّ رحالنا في العنصر الثالث المتمثّل في معضلات المؤسسات التعليمية الإسلامية في غينيا.. وهي كالتالية:
بَدَاءَةً.. قبل الخوض في بلورة هذه المعضلات؛ جدير بالإشارة أوّلاً.. أن أيّة عمليّة لمؤسّسات التعليميّة لا يمكن أن تكون عمليّة وموضوعيّة إلا إذا سبقها إجابات عن الأسئلة التالية:
*ماهي الأهداف أو الوظائف الاستراتيجية للعمليّة التعليميّة؟
*ماهو وضع المؤسسة التعليمية الراهن من وجهة نظر الأهداف الاستراتيجية للعمليّة التعليميّة؟
*إذا كانت المؤسسات التعليميّة الإسلاميّة بوضعها الراهن لاتحقّق الأهداف الاستراتيجية لعمليّة التعليميّة فما هي آلية حلّ هذه المعضلة الكبيرة؟

أما الأهداف الاستراتيجيّة للعمليّة التعليميّة: فقد استقرّت تجربة الدول العريقة في التعليم مثل أمريكا وبريطانيا واليابان على أن لأيّة موسّسة تعليميّة في أيّ دولة عصريّة هدفان أو وظيفتان استراتيجيات (5).
الوظيفة الأولى : وظيفة تعليميّة بحتة.
الوظيفة الثانية: وظيفة تربوية.
أما الوظيفة التعليميّة البحتة: تعني باختصار تقديم مفاتيح وأسس العلوم التطبيقية والاجتماعية والإنسانية المعاصرة بشكلٍ يسمح بالبناء القويّ على تلك الأسس في المراحل العليا للعمليّة التعليميّة.
وأما الوظيفة التربويّة: فتعني غرس وتأصيل وتنمية وتثبيت مجموعة من القيم العامّة أو الحياتيّة والتي تستهدف تكوين مواطن صالح.
أو بعبارة أخرى: تخريج مواطن تنافسيّ يسهم في جعل المجتمع بأسره مجتمعا تنافسيّا.
فإذا كانت تلك هي التي على أساس منها نقوم بتقييم المؤسسات التعليمية بوضعها الراهن واقتراح سبل تطويرها؛ فإنّ نظرةً متفحّصةً متمعّنةً لأداء معظم مؤسساتنا التعليمية الإسلامية في غينيا اليوم؛ تقودنا لنتيجةٍ مؤلمةٍ فحواها.. أن التعليم السّائد الآن لدينا، غير قادرٍ على إفراز النّوعيّة البشريّة المطلوبة لمواجهة تحديات العصر المختلفة بشكل إيجابيّ وفعّال؛ وذلك لوجود خلل كبير في الوظيفتَين الاستراتيجيتَين للعمليّة التعليميّة اللّتين ذكرتُهما تَوًّا…

فإذا نظرنا للوظيفة التعليمية البحتة والتي تستهدف إعطاء مفاتيح العلوم التّطبيقيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة، وجدنا أن هذه الوظيفة التّعليميّة البحتة في كثير من مؤسّساتنا التّعليميّة الإسلاميّة تشوبها اليوم الكثير من العيوب، لعل أهمها مايلي:
1- غلبة (الكم) بشكل جارف على ( الكيف).
2- قيام مؤسّساتنا التّعليميّة الإسلاميّة على أساس الحشو، وحشر المعلومات والمعارف في رؤوس التلاميذ، وهو أمرٌ لا قيمةَ له على الإطلاق، وخصوصا عند أهل العلم بالتربية الحديثة.
3- الجمود والإغراق في المحلّيّة، والضّعف الشّديد في الكونيّة أو العالميّة التي تجعل الإنسان أكثر قدرةً على معرفة العالم الخارجيّ ثم التعامل معه.

وأما الوظيفة التربويّة والتي تستهدف غايتَين على أعلى درجات الأهمّيّة.. هما: غرس مجموعة أساسيّة من القيم العامة أو الحياتيّة بهدف إفراز مواطن صالح، وغرس مجموعة هامّة من قيم العمل في المجتمعات العصرية بهدف إفراز مواطن فعّال وإيجابيّ وخلاّق ومتقن للعمل وقادر على المنافسة.
أما هذه الوظيفة : فإن مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة تقوم بالقليل جدا من شقّها الأوّل، وهو جانب القيم العامة…
أما الشقّ الثّاني من الوظيفة التربوية والذي يستهدف غرس قيم العمل في المجتمعات العصريّة، فإن برامجنا التّعليميّة الإسلاميّة في معظم مؤسّساتنا في غينيا خالية تماما من أيّ برامج تستهدف بذر وتثبيت القيم التي تفرز إنسانا يصلُح بشكل مناسب للعمل العصري، بل يكاد الباحث أنْ يزعم أنّ معظم القائمين على مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا لا يعرفون أيّ شيئ عن هذه المجموعة من القيم؛ وبالتّالي والمنطقي فإن اهتمامهم بها منعدم.. هذا مع احترامي الشّديد، وتقديري العميق، لكافة جهودهم العِظام، وتضحياتهم الجِسام في دفع عجلة التعليم الإسلاميّ، وتحقيق مقصد انتظام أمره في مختلف مؤسّساتهم التّعليميّة الإسلاميّة، ولكن هذه المعطيات الواقعيّة الموضوعيّة هي الحقيقة المؤلمة في واقع مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا والحقُّ يقال!!.
وبناءً على هذا، فبالرُّغم من أنّ أعددا كبيرا من أصحاب المؤسّسات التعليميّة الإسلاميّة في غينيا اليوم، يميلون ميلاً جارفًا للتّهوين من حجم المشكلات بوجه عام، والمعضلة التعليميّة بوجه خاص، ويميلون بالتّالي للحلول التّرميميّة المتمثّلة في الاهتمام بالشّكل على حساب الجوهر، والمظهر على حساب المعنى، والقشور على حساب المضمون، والكم على حساب الكيف، فإن هذا لنْ يُثنِي الباحث أو أن يمنعه منْ أن يؤكد هاهنا تأكيدا واضحا بأن مؤسساتنا التعليميّة الإسلاميّة لا تحتاج إلى التّرميم الشّكليّ المظهريّ بقدر ما هي تحتاج إلى إعادة الصّياغة من الألف إلي الياء، وأن ما يجري حاليّا من عمليّات ترميم في مؤسّساتنا التعليميّة الإسلامية بشكل عام، وفي برامجها الدراسيّة بشكل خاص، لن يكون بوسعه أن يقدّم لجمهورية(غينيا) العناصرَ البشريّة المطلوبة للسّير بالمجتمع الغيني بالشّكل الذي نتوخّاه في ظلّ الظّروف الاقتصادية العالمية المتجدّدة، والظّروف السّياسية الدوليّة المتفاقمة، والظّروف التكنولوجية العصريّة المتواصلة.
وممّا يُؤسَفُ له، ويندى لها جبين كل غيور على واقع مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا؛ أن ترى معظم مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة اليوم متخلّفةً أمام تطوّرات الحياة العلمية تخلّفًا غريبا، ومتخبّطةً أمام تحوّلات الحياة التّربويّة تخبّطا عجيبًا، ومتقوقعةً على نفسها أم تغيّرات الحياة الاقتصاديّة تقوقعًا فَزِيعًا، بل ومنكفئةً على نفسها أم تحدّيات الحياة السّياسيّة والتكنولوجيّة انكفاءً غير مبرّر كأن العلم والدنيا يتناكران ولا يتعاضدان، في حين نجد في مدوّنات تاريخ العلوم.. أن للفكر الإسلاميّ إبداعه وثماره في العلوم كافة، ولا سيّما تلك الدّراسات التي تُعرف اليومَ بالدّراسات الطّبّيّة والرّياضيّة والفيزيائيّة والفلكيّة والكيميائيّة والبيطريّة والجيولوجيّة والبيئيّة والتكنولوجيّة وغيرها من العلوم التي استفاد منها الشّرقيون والغربيّون وساهمتْ في نهضتهم العلميّة وتطوّر الحياة الإنسانيّة.
ويَحقُّ لي هنا.. أن أسترشد بما قاله واحد من كبار المؤرّخين في العالم، وهو المؤرّخ الإنجليزي الفيلسوف (أرنولدتوينبي) نقلا عنه من كتاب” الإسلام والشباب” للأستاذ عبد التواب رضوان” حيث يقول : إن البلاد غير الأوربية ينبغي أن لا تتردّد في اقتباس التكنولوجيا الغربيّة اقتباسًا طالما أنّها ستستخدمها استخداما مفيدا.
ويقول العلامة الفقيه المجدّد والمفكّر الإسلاميّ الشّيخ محمّد الغزالي رحمه الله في كتابه ” جدّدّ حياتك” حيث يقول:
إنه قد أصبح لزاما اليوم من أيّ وقت مضى على كل مشتغل بعلوم الإسلام أن يدرس الحياة كلها، وأن يعرف وجوه النّشاط اليشري، ومراميه القريبة والبعيدة.
ومهما يكن من شيئ، فإن أهم مشكلاتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا اليوم تكمن في هاتَين الوظيفتَين الاستراتيجيتَين للعمليّة التعليميّة، كما سبقت الإشارة إليهما من قبل، وهما: الوظيفة التعليميّة البحتة، والوظيفة التّربويّة، ولكي تنجح مؤسّساتنا التعليمية الإسلامية في غينيا وتتطوّر؛ فلابد من إصلاحٍ متينٍ لتيْكُما الوظيفتَين الاستراتيجيتَين المهمّتين في العصر الراهن.

العنصر الرابع: المنهج المقترح لإصلاح مؤسّساتنا التّعليميّة الإسلاميّة في غينيا
لئن سبق تأصيل القول المبين في العنصر الثالث المتعلّق بمعضلات المؤسّسات التعليميّة الإسلاميّة في غينيا وأسبابها، وتوصّل الباحث في المطاف الأخير بعد عرض وتحليل ونقد ونقض إلى أنّ أهمّ مشكلات جوهرية لمؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا اليوم.. تكمن في وجود خلل في الوظيفتَين الاستراتيجيتَين للعمليّة التعليميّة في معظم مؤسساتنا التعليميّة.. وهما الوظيفة التّعليميّة البحتة، والوظيفة التربويّة، كما أكّد الباحث على ضرورة إصلاح هاتين الوظيفتين الاستراتيجيتين للعمليّة التعليميّة إصلاحًا يَتوائم مع تطوّرات الحياة العلميّة والفكريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسية والتربويّة والتكنولوجيّة العالمية المعاصرة والمستقبلية، وإذِ الأمرُ كذلك، فجدير بالباحث أن يحطّ رحاله في بسط القول المبين في العنصر المبين في العنصر الرابع من موضوعات هذه المقالة، وهو العنصر المتمثّل في المنهج المقترح لإصلاح لإصلاح مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا وهو كالتّالي:
أما عن المنهج المقترح لإصلاح مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا اليوم إصلاحًا يسمح بتخريج الإنسان العصري الذي تحتاجه غينيا والعالم الخارجي للتّعامل مع حقائق وتحدّيات المرحلة الحاليّة والمراحل القادمة…
فمن المؤكّد في هذا الصّدد.. أن الإصلاح الكامل لمؤسساتنا التعليميّة الإسلاميّة يقتضي اليوم إصلاح ثلاث جوانب رئيسيّة:
1- البرامج والمقررات الدراسيّة.
2- أحوال المدرّسين، سواء المتعلّقة منها بتكوينه وتدريبه، أو المتعلّقة منها بأجره وظروفه الحياتية.
3- الأبنية المدرسيّة والتي يُفترض أن تكون مشتملة على كل الوسائل العلميّة والعمليّة والرياضيّة المنتظر توافرها في أيّة مؤسّسة عصريّة.
*- أما بالنّسبة لإصلاح البرامج والمقرّرات: فهو البُعد الوحيد القابل للتّنفيذ الفوريّ شريطة توفّر الرّؤية والنّظرة الفلسفيّة المطلوبة في واضعي استراتيجيّات التّعليم، أي أن يكونوا من المنتمين للحاضر والمستقبل وليس للماضي.
*-أما بالنّسبة لإصلاح أحوال المدرّسين و الأبنية المدرسيّة: فإنها عمليّة مركّبة، وذات كلفة بالغة الارتفاع، وخصوصا أن أغلب مؤسّساتنا ذات صبغة أهليّة لا حكوميّة؛ لذلك فمن المنطقيّ أن تكون لدينا سياسة إصلاحيّة، وهي السّياسية التي تُعرف عند أهل العلم بالاقتصاد( بالسّياسة المرحليّة)، ولكن تبنّي هذه السّياسة المرحليّة لا تتأتّى بأيّ حال من الأحوال إلا عن طريق التعاون والوحدة في إطار التنظيميّ العام بين كافة مؤسّساتنا التعليمية الإسلامية في غينيا، وذلك بغية تكوين لجنة علميّة مكوّنة من أصحاب الخبرات والتجارب في مختلف مجالات العلميّة والتّربوية في كلّ إقليم من أقاليم الدّولة.. لدراسة سُوسيولوجيّة مناهج مؤسّساتنا المتعدّدة في مختلف الأقاليم ، ووضع الخطط والسّياسات والبرامج والاستراتيجيّات الخلابة تواكب متطلبات العصر، وتضمن الجودة الشاملة لكافة المناهج والمقرّرات الدراسيّة، وكذلك وضع صندوق ماليّ مستقلّ لدعم هذا المشروع الإصلاحيّ المهمّ في كافة مؤسساتنا التعليمية الإسلامية المختلفة في غينيا وغيرها من الأمور والإجراءات التي لا يسع الباحث أن يسردها سردًا في بِساط هذه المقالة القصيرة.

أما البرامج الإصلاحيّ الكامل لمؤسّساتنا التعليميّة ،والذي هو بطبيعة برنامج طويل المدى، ويستحيل أن ينجز بالكامل على المدى الزمني القصير أو المتوسط، فإنه يحتاج بداية إلى وضع ورقة استراتيجية تحدّد مالذي نطلبه من المؤسّسة التعليمية، لاسيّما قبل الجامعة، وماهي الأهداف التي نريد الوصول إليها؟
وهنا، فإن أكبر مشكلة ستواجهنا هي أن معظم برامج التعليم قبل الجامعي في مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة اليوم، هي برنامج إما ضعيفة الصّلة أو أحيانا معدومة الصّلة بالاحتياجات المجتمعيّة، وفي مقدّمتها احتياجات المجتمع الاقتصادي..!!.
فالتّعليم في هذه الحالة لا يستهدف سوى ما يُعرف اليوم في لغة العصر(بالتّعليم الحر)، وهو القائم فقط على التّعرّف على مناطق عديدة من مناطق المعرفة الإنسانية دون أن يستغرقنا التخصص. (6).
ولكن هناك هدف آخر لا يقلّ أهمية حريٌّ بمؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة اليوم أن تتوجّه اهتماماتها نحوه، خاصة في مؤسساتنا التعليمية الإسلاميّة التى تُعنى بالتعليم قبل الجامعي، وهو هدف إعداد موارد بشرية ذات مواصفات خاصة، تتطلّبها الحياة الاقتصادية، أي قطاعات العمل الإنتاجي والخدمي، عندئذ سنكتشف أنّنا ونحن نضع هذا التّصور الاستراتيجي لهدف أو أهداف العملية التعليمية، سنكتشف أنّنا في حاجة لتخليص مؤسّساتنا التّعليميّة الإسلاميّة وبرامج التعليم من روح الحشر التي تتّسم بها، ومن روح التّلقين، واختبار القدرة على تخزين المعارف، الذي تحتاجه ظروف الحياة الاقتصادية المعاصرة..
كذلك سنكتشف أن معظم برامجنا الدراسيّة التي كان من المفترض أن تستهدف تحبيب التلاميذ في العديد من جوانب الإبداع الأدبي والفنّي قد نجحتْ في تبغيض التلاميذ في كلّ ما يقدّم لهم في هذه المجالات، نظرا للذّوق السّقيم الذي اتّصف به من عُهد إليهم بتدريس المادّة، فهم في حقيقة الأمر، خلطة ما بين الموظّف الخالي من الموهبة والتّذوّق والإبداع، والإنسان المحافظ كنتيجة طبيعيّة لظروف تكوينه العلميّ والثّقافيّ والفكريّ والاجتماعيّ…
فمن الأسهل أن يكون الإنسان محافظا عن أن يكون تقدّميًّا عصريًّا ومتحرّرًا، فالاتجاه الثاني يتطلّب قدرًا كبيرًا من المعرفة والثقافة وأحيانا الذكاء.

وأيَّامَّا كان الأمر، فإن الباحث كما سبق وأن قرّر بأن أي إصلاح منشود لمؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا اليوم من وجهة نظره، لابدّ أن يستند إلى هذه المرتكزات الرّئيسيّة الثّلاثة وهي:
المرتكز الأول: البرامج والمقرّرات.
المرتكز الثاني: أحول المدرّسن في مؤسّساتنا سواء المتعلّقة منها بتكوينه وتدريبه، أوالمتعلّقة منها بأجره وظروفه الحياتيّة.
المرتكز الثالث: الأبنية المدرسيّة والتي يُفترض أن تكون مشتملة على كلّ الوسائل العلميّة والعمليّة والرياضيّة المنتظر توافرها في أيّة مؤسّسة عصريّة.

العنصر الخامس: خلاصةٌ مُرَكَّزَةٌ كنتيجة لقراءة معرفيّة مطوَّلة

بعد هذه الجولة العلميّة الفكريّة والمعرفيّة الممتعة في جنبات مشكلات المؤسّسات التعليميّة الإسلامية في غينيا، وبعد تحرير القول المبين في كافة عناصر موضوعاتها، قمينٌ بالباحث أن يودّع خاتمة هذه الرّحلة العلميّة المباركة بجملةٍ حسنةٍ من النّتائج والتّوصيات التي توصّل إليها أثناء هذه الرحلة الماتعة وهي كالتّالية تباعا:
أولا: النتائج
1- لقد تأكّد من خلال البحث أن مشكلات مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا من وجهة نظر الباحث تكمن في وجود خلل كبير في الوظيفتَين الاستراتيجيتَين للعمليّة التعليميّة.. وهما: الوظيفة التعليميّة البحتة، – والوظيفة التربويّة، الأمر الذي يجعل معظم مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة تقوم على أساس الحشو، وحشر المعلومات والمعارف في رؤوس التلاميذ، فضلا عن الجمود في المحليّة والضّعف الشّديد في الكونيّة.

2- كما بيّن الباحث أن أي إصلاح منشود لمؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا، لابدّ أن يستند إلى هذه المرتكزات الرئيسيّة الثلاثة:
المرتكز الأول: البرامج والمقرّرات الدراسيّة.
المرتكز الثاني: أحوال المدرّسين سواء المتعلّقة منها بتكوينه وتدريبه، أم المتعلّقة منها بأجره وظروفه الحياتيّة.
المرتكز الثالث: الأبنية المدرسيّة والتي يُفترض أن تكون مشتملة على كل الوسائل العلميّة والعمليّة والرّياضيّة المنتظر توافرها في أيّة مؤسّسة عصريّة.

ثانيا: التّوصيّات:
يوصي الباحث بجملة من التّوصيّات التّالية:
1- العمل على تطوير منظومات مؤسّساتنا التّعليميّة الإسلاميّة نحو التّحضّر بمعناه الشّامل، وترسيخ أخلاق التّقدّم، والانفتاح على تجارب التّنوير الأخرى والتّيّارات العالميّة، وتاريخ الأفكار والفنون ومصادر المعلومات، والتّمكن التكنولوجيّ من منظور المصلحة الإسلاميّة.

2- تضافر الجهود في مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة كافّة لتكوين الشّخصيّة الوطنيّة القادرة على العمل الفكريّ المتميّز، والعمل الاقتصاديّ المتجدّد، والعمل السّياسيّ المتطوّر، والعمل الإداريّ المتمكّن، والعمل المهنيّ المحترف، وهذه مهمّة مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة المختلفة، من خلال أنشطتها الإبداعيّة، لأنّ التّعليم هو العامل الأكثر تأثيرا في معادلة بناء الشّخصيّة الإنسانيّة متوازنة الأركان : روحًا وجسدًا ووجدانًا ونفسًا تحت قيادة عقل واع يَقود ويُوجّه.
3-الدّعوة إلى تحقيق التعاون وتعزيز الشراكة بين مختلف مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في كافة أرجاء غينيا، من أجل صياغة الرّؤية الجديدة الموحّدة لمشروع ٍجامعٍ ينظّم جهود العاملين في سائر مؤسّساتنا التعليميّة الإسلاميّة في غينيا.

هذا والله من وراء القصد، وهو العليم الحكيم، وصلّى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 

*قائمة مصادر ومراجع المقالة:
1- النّظم التّعليميّة الوافدة في أفريقيا: قراءة في البديل الحضاري، للشيخ العلاّمة الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو.
2- الثقافة أولا وأخيرا/ للدكتور ” طارق حجي.
3- مذكرة تاريخ إفريقية الغربيّة والوسطى / للدكتور نوح عيسى سدبه
4- موجز تاريخ إفريقية/ لأوليفر
5- الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية/ للدكتور محمود أحمد شوق.
6- سيكولوجية الإدارة المدرسية/ للدكتورة” سامية الجندي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى