ثقافةعاجل

حكاية “صراع غير متكافئ*

كتب / د. أميرة البيطار

الرمح غالٍ والفريسة ذبابة: هي تعبر عن فلسفة الحكمة في مواجهة أعباء الحياة.
الحياة بطبيعتها ساحة معارك، نتسابق فيها ونحارب لتحقيق ما نعتقد أنه يستحق الجهد والتضحية. لكن عند التأمل العميق، نجد أن كثيرًا من هذه المعارك قد تكون بلا قيمة حقيقية، أشبه بمن يطارد ذبابة وهو يحمل رمحًا غاليًا، فهل تستحق الذبابة كل هذا العناء؟


قيمة الرمح وثمن الفريسة شرحها بسيط حيث أن الرمح في هذه العبارة يرمز إلى الجهد والطاقة والوقت الذي نبذله، بينما تمثل الذبابة تلك الأمور الزائلة التي نتنافس عليها دون أن تضيف قيمة حقيقية لحياتنا. في النهاية، الدنيا فانية، وكل ما فيها من متاع ليس سوى زينة زائلة.
نرى في حياتنا اليومية من يستهلك نفسه في حروب جانبية لا طائل منها؛ حروب على المناصب، أو صراعات على أمور تافهة. لكن حين نضع الأمور في نصابها، ندرك أن المحاربة بشراسة على ما لا يستحق تجعلنا نخسر أنفسنا قبل أن نخسر المعركة.
تالله لو يعلم الإنسان أن الدنيا لا تستحق حين نتذكر أن الدنيا دار عبور وليست دار قرار، نتعلم أن ما يستحق القتال لأجله هو ما يبقى أثره. العمل الصالح، العلم النافع، العلاقات الإنسانية الصادقة، هي ما يمنح حياتنا معنى حقيقيًا. أما ما عدا ذلك، فهو كسراب يحسبه الظمآن ماءً.


في النهاية، العدل الإلهي لا يغفل عن شيء؛ فـ”كل ساقٍ سيسقى بما سقى”. من اختار الخير طريقًا، سيحصد نتاجه، ومن استنزف نفسه في مطاردة الذباب، سيجد أن حياته انتهت دون أن يحقق شيئًا ذا قيمة.
والحكمة في الاختيارإن الحكيم هو من يوازن بين ما يستحق أن يُحارب من أجله وما يجب أن يُترك، ويُدرك أن الرمح الذي يحمله ليس رخيصًا ليبذله في سبيل ما لا ينفع. اختياراتنا تحدد قيمتنا، لذا فلنختر معاركنا بعناية، ونتجنب أن نضيع رمحنا الثمين على فريسة لا تساوي شيئًا.

فعلينا أن نتأمل دائمًا: هل ما نحارب من أجله يستحق؟ وهل الرمح الذي نضحي به في هذه المعركة سيعود علينا بما يليق بثمنه؟ الإجابة على هذا السؤال قد تغيّر مجرى حياتنا نحو الأفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى