دنيا ودينعاجل

الإفتاء المصرية تطلق فعاليات النسخة التاسعة من مؤتمر الأمانة العامة لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاء في العالم بمشاركة 104 دول

قاما بالتغطية: أيمن وصفى / عاطف موسى

يشهد العالم الإسلامي انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء، الذي تعقده الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، برعاية كريمة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحت عنوان: “الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع”، بحضور علماء ووزراء ومفتين من أكثر من مائة دولة حول العالم وبمشاركة أممية واسعة.

ويشهد المؤتمر على مدار يومَي 29 و30 يوليو العديدَ من الفعاليات المهمة، حيث ستنطلق الفعاليات في التاسعة صباحًا وستشهد الجلسة الافتتاحية عرضًا لفيلم تسجيلي حول الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، وأهداف المؤتمر والتحديات التي تواجهها الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع.
كما تشهد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كلمة دولة رئيس الوزراء، والتي سيلقيها معالي الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، فيما سيلقي كلمة الأزهر الشريف فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف.

كما سيلقي كلمـة “القدس” سماحة الشيخ/ محمد حسين، مفتي القدس، ويلقي كلمة منظمـة التعـاون الإسلامي معالـي الدكتـور قطـب سـانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، ويلقي معالي الشيخ الدكتور/ عبد الرحمن الزيد -رئيس المجمع الفقهي ونائب الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي- كلمة عن الرابطة، بينما يتسلَّم فضيلة الشيخ/ حسين كافازوفيتش، مفتي البوسنة، جائزة القرافي.

ويعدُّ المؤتمر منصةً هامة لمناقشة دَور الفتوى في تعزيز الأخلاق والقيم الإنسانية في عالم يزداد تسارعًا، حيث يهدُف إلى تعزيز الوعي بأهمية الفتوى الرشيدة في ترسيخ الأخلاق والقيم الإنسانية، ومناقشة دَور الفتوى في مواجهة تحديات العصر الحديث، إضافة إلى تعزيز التعاون بين مؤسسات الفتوى والمنظمات الدولية والإقليمية، ومحاولة الخروج بتوصياتٍ عمليةٍ لتعزيز البناء الأخلاقي في المجتمعات.

ومن المنتظر أن يتمَّ الإعلان عن إطلاق عدد من المشروعات والمبادرات المهمة، من بينها: بلوغ المَعلمة المصرية للعلوم الإفتائية 102 مجلد، وإصدار الميثاق العالمي للقيادات الإفتائية والدينية في صُنع السلام ومكافحة خطاب الكراهية وحل النزاعات، والإعلان عن أدلة إرشادية باللغات المختلفة في مجالات عدة، والموسوعة العلمية للتدين الصحيح والتدين المغشوش، وأهم الدراسات التي قام بها المؤشر العالمي للفتوى، ومركز سلام لدراسات التطرف ومواجهة الإسلاموفوبيا وأهم مخرجاته، وإصدارات مجلات “جسور” و”دعم” ومجلة الأمانة، وغيرها من المشروعات المهمة.

كما ستعقد جلسة في ختام المؤتمر تُستعرَض فيها رسالة المؤتمر وأهدافه وما تم خلال فترته من جلسات وورش عمل، وعرض توصيات المؤتمر التي يكون المجلس التنفيذي للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم قد ناقشها وأقرَّها في اجتماعه بأول يوم من أيام المؤتمر.

فيلم تسجيلي بالمؤتمر العالمي التاسع للإفتاء يبرز جهود وتطلعات «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع»

شهد مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت رعاية رئاسة الجمهورية ومظلة دار الإفتاء المصرية، عرض فيلم تسجيلي عن أعمال المؤتمر العالمي في نسخته التاسعة، الذي تم افتتاح فعالياته منذ قليل، ويستمر على مدار يومي 29 و30 يوليو تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع»، وبحضور وفود من أكثر من مائة دولة يمثلون كبار الشخصيات الرسمية والمنظمات الأممية، وكبار رجال الدين من المفتين والوزراء والشخصيات العامة، وكذلك بمشاركة نخبة من القيادات الدينية وممثلي دُور الإفتاء على مستوى العالم.

وقد عكس الفيلم التسجيلي الجهود المبذولة والمنتظرة من المؤتمر، ويعدُّ الفيلم فرصةً فريدة للاطلاع على كواليس المؤتمر وأهميته؛ حيث يأتي بمنزلة رحلة في أعماق الجهود المبذولة والتطلعات المستقبلية للمؤتمر.

ويعرض الفيلم التسجيلي رحلة مثيرة وملهمة، تجمع بين الجمال البصري وعمق الفهم، ويمنح الفرصة الفريدة لاستكشاف عالم المؤتمر بطريقة لم تُروَ من قبلُ، ويأتي الفيلم التسجيلي كنافذة سحرية تطل على عالم المؤتمر، حيث يتمكن المشاهدون من رؤية ما وراء الكواليس والاطلاع على أهمية هذا الحدث، كما يعطي للحضور وللجمهور فرصة للاستكشاف والتعرف على الأشخاص والأفكار التي تجعل المؤتمر مكانًا ملهمًا للغاية.

وقد بدأ الفيلم التسجيلي فقراته بالإشارة إلى ما شَابَ الْوَاقِعَ الْعَالَمِيَّ الْمُتَسَارِعَ الْآنَ من حالة التَّدَهْور الْخَطِير فِي مَنْظُومَةِ الْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ بِمَا يُهَدِّدُ السِّلْمَ الِاجْتِمَاعِيَّ وَالْأَمْنَ الدَّوْلِيَّ، وهو الأمر الذي لَا يُمْكِنُ لِصَانِعِي الْقَرَارِ وَالْقِيَادَاتِ الدِّينِيَّةِ وَأَصْحَابِ الضَّمِيرِ الْحَيِّ أَنْ يَقِفُوا مَوْقِفَ الْمُتَفَرِّجِ أمامه نتيجة للِانْحِدَارِ الذي يَتَّجِهُ إِلَيْهِ الْعَالَمُ بعد غِيَابِ الْاِلْتِزَامِ بِالْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ.
وَيؤكد الفيلم أن الْأَمَانَةَ الْعَامَّةَ لِدُورِ وَهَيْئَاتِ الْإِفْتَاءِ بِمَا تَمْتَلِكُ مِنْ مَوْثُوقِيَّةٍ عَالَمِيَّةٍ وَشَبَكَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ كِبَارِ الْمُفْتِينَ وَالْقِيَادَاتِ الدِّينِيَّةِ تَحْتَ مِظَلَّتِهَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَلْعَبَ دَوْرًا فَاعِلًا وَمُؤَثِّرًا فِي تَحْوِيلِ نَظَرِ الْعَالَمِ إِلَى ضَرُورَةِ الِاهْتِمَامِ وَالِالْتِزَامِ بِالْقِيَمِ الدِّينِيَّةِ وَالأخلاقيةِ.
لِذَا، جَاءَ اخْتِيَارُ الْأَمَانَةِ الْعَامَّةِ لِدُورِ وَهَيْئَاتِ الْإِفْتَاءِ فِي الْعَالَمِ لِعُنْوَانِ الْمُؤْتَمَرِ فِي دَوْرَتِهِ الْحَالِيَّةِ لِيَكُونَ «الْفَتْوَى وَالْبِنَاءُ الأخلاقي فِي عَالَمٍ مُتَسَارِعٍ»؛ وَذَلِكَ مِنْ مُنْطَلَقِ اسْتِشْعَارِهَا بِالْمَسْؤُولِيَّةِ الْكَبِيرَةِ تِجَاهَ الْأُمَّةِ، وَلِإِدْرَاكِهَا خُطُورَةَ مَا يَجْرِي فِي السَّاحَةِ الْعَالَمِيَّةِ وَالِافْتِرَاضِيَّةِ مِنْ تَطَوُّرَاتٍ مُتَسَارِعَةٍ.

وأبرز الفيلم دَور الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم في قيادة قطار الإفتاء في العالم، من خلال تنظيم المؤتمرات العلمية المتوالية، بما في ذلك هذا المؤتمر العالمي التاسع تحت عنوان “الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع”.

وتطرَّق الفيلم التسجيلي لمحتوى وموضوعات ورش العمل التي ستعقد على هامش فعاليات المؤتمر، كما استعرض عددًا من المشروعات والمبادرات التي سيعلن عنها المؤتمر، من بينها: بلوغ المَعلمة المصرية للعلوم الإفتائية 102 مجلد، وإصدار الميثاق العالمي للقيادات الإفتائية والدينية في صُنع السلام ومكافحة خطاب الكراهية وحل النزاعات، والإعلان عن أدلة إرشادية باللغات المختلفة في مجالات عدة، والموسوعة العلمية للتدين الصحيح والتدين المغشوش، وأهم الدراسات التي قام بها المؤشر العالمي للفتوى، ومركز سلام لدراسات التطرف ومواجهة الإسلاموفوبيا وأهم مخرجاته، وإصدارات مجالات “جسور” و”دعم” ومجلة الأمانة، وغيرها من المشروعات المهمة.

واختتم الفيلم التسجيلي فقراته بالتأكيد على طموح الْأَمَانَة الْعَامَّة لِدُورِ وَهَيْئَاتِ الْإِفْتَاءِ فِي الْعَالَمِ لأن يَكُونَ مُؤْتَمَرُهَا هَذَا فُرْصَةً حَقِيقِيَّةً لِنُقْلَةٍ نَوْعِيَّةٍ فِي مَسَارِ مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ الأخلاقية وَالسَّعْيِ لِتَرْسِيخِ قِيَمِ التَّعَايُشِ وَالتَّعَارُفِ وَالتَّضَامُنِ فِي ظِلِّ التَّنَوُّعِ الدِّينِيِّ وَالثَّقَافِيِّ، وأن تُسْفِرَ الْكَلِمَاتُ وَالْأَوْرَاقُ الْبَحْثِيَّةُ وَالْمُنَاقَشَاتُ الْجَادَّةُ الْمُنْعَقِدَةُ بِوِرَشِ الْعَمَلِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ رُؤْيَةٍ جَدِيدَةٍ تَحْمِلُ نُورًا سَاطِعًا وَأَمَلًا فَسِيحًا لِحَاضِرِ الْأُمَّةِ وَمُسْتَقْبَلِهَا خاصة وأن أعمال المؤتمر تنطلق من هَذِهِ الْأَرْضِ الطِّيِّبَةِ التي تَحْتَضِنُ هَذِهِ الْقِمَّةَ الدِّينِيَّةَ والْإِفْتَائِيَّةَ لِتُنِيرَ الطَّرِيقَ وَتُوَحِّدَ الْكَلِمَةَ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ الصَّعْبَةِ.

خلال كلمة المفتى في افتتاح أعمال المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء: مصر كانت وما زالت قائدة رائدة على مرِّ العصور والرئيس السيسي يبذل كلَّ الجهود لدعم المؤسسات الدينية

• نحن أمام أزمات تعصف بمحيطنا الإقليمي والدولي وتضيف علينا مسؤولية للحفاظ على المجتمع الإنسانيّ من الدخول في منحدر أخلاقيٍّ

• هناك محاولات عديدة لتفكيك البناء الأخلاقي المستقرِّ الذي يستند إلى الأديان وإلى حفظ مقاصد الاجتماع البشريِّ

• ننطلق في هذا المؤتمر من رؤية حضارية تستند إلى مبادئ دينيَّة قويمة ومعالم إنسانية تمنح الوازع الأخلاقي الأولويَّة الكبرى في بناء الإنسان

• الأديان السماوية التي بعث بها الأنبياء ما زالت تحثُّ البشرية على محاسن الأخلاق وتحذِّرهم من أسباب الهلاك

• التحديات تحمِّلنا مسؤولية كبرى وتفرض علينا توظيف العمل الإفتائيِّ في ترسيخ منظومة القيم والأخلاق الدينية والإنسانية

• للفتوى دَور عظيم في تبليغ الأحكام الشَّرعيَّة في كافَّة مناحي الحياة من خلال ذلك الأساس الأخلاقي الذي بُنيت عليه الشَّريعة

• نُقِرُّ بضرورة التعايش المشترك بين مختلف الثقافات والأديان.. ولكن علينا إيجاد صيغة مشتركة للتَّفاهم حول المعايير الأخلاقية في كافَّة المجالات

• لا بدَّ من الاعتراف أنَّنا أمام أزمة أخلاقية ونفسية وروحية صنعتها محاولات هيمنة من يريدون إخضاع العالم لنموذج أحاديٍّ

• الأزمات العالمية تكرِّس غياب العدالة والضمير الإنسانيِّ الأخلاقي في وقف الإبادة ضدَّ المدنييِّن في فلسطين وغيرها من دول العالم

• أنعم الله علينا بمظلَّة الأمانة العامَّة التي تجمع تحتها ثلَّة كبار علماء الأمَّة في العالم الإسلاميِّ وهي أمانة عالية وتكليف عظيم

قال “أ.د.شوقي علام” مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إنَّ مصر كانت -ولا زالت- قائدة رائدة على مرِّ العصور، خاصة في عصر فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السِّيسي حفظه الله تعالى، الذي بذل -ولا زال- يبذل كلَّ الجهود لدعم المؤسسات الدينية، وفي مقدِّمتها دار الإفتاء المصرية، حيث قدَّم لها كلَّ أنواع الدعم الماديِّ والمعنويِّ الذي ساعدها لتخطو خطوات جادَّة في تجديد الخطاب الإفتائيِّ وجمع المؤسسات والهيئات الإفتائية على كلمة سواء.

وأضاف خلال كلمته في مستهل الجلسة الافتتاحية بالمؤتمر العالمي التاسع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية بعنوان “الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع”، إننا أمام أزمات تعصف بمحيطنا الإقليمي والدولي، ولا يخفى أنَّ اجتماعنا هنا في مصر العزيزة الغالية لمناقشة تلك التّحدّيات التي تواجهنا يؤكّد أنَّ مِصْرَ دائمًا في قلب الحدث رائدة ومبادرة، مشيرًا إلى أننا اليوم نعيش جميعًا في عالم أصبحت السرعة مَعْلَمًا وسمة من سماته الرئيسية،
وصارت الأزمات التي تلاحق الجنس البشريَّ تضعنا في موضع المسؤولية للحفاظ على المجتمع الإنسانيّ من التدهور والدخول في منحدر أخلاقيّ يفقد به الإنسان قيمته الوجودية في هذه الحياة.

وتابع المفتي: إن ما نراه واضحًا جليًّا في تلك المحاولات العديدة لتفكيك البناء الأخلاقي المستقرِّ الذي يستند إلى الأديان وإلى حفظ مقاصد الاجتماع البشريّ؛ كان دافعًا لعقد هذا المؤتمر تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع» بغرض البحث والتّواصل بين دور الإفتاء ومؤسّسات الفتوى حول الدَّور الفعَّال الذي يمكن أن تقوم به في دعم المنظومة الأخلاقية، وما يمكن أن تساهم به الفتوى في ترسيخ المبادئ والقيم الإنسانيّة المشتركة، ودورها في مواجهة التّحديات الأخلاقية التي بات التعامل معها ضرورة إنسانية، في ظلّ الصراعات والأزمات التي يعيشها العالم، وفي ظلّ ذلك السّعي الحثيث لتحييد العنصر القيميّ والأخلاقي في خضمّ ذلك التّطوّر المتسارع والمتلاحق.

وأكد المفتي إنّنا ننطلق في هذا المؤتمر من رؤية حضارية تستند إلى مبادئ دينيّة قويمة، ومعالم وقيم إنسانية مشتركة، تمنح الوازع الأخلاقي الأولويّة الكبرى في بناء الإنسان والتّفاعل مع عناصر الكون التي سخّرها الله لخدمة البشرية، وهذه الرؤية الحضارية يعزّزها تاريخ قديم قدم الوجود الإنساني على هذه الأرض، حيث سعى الإنسان منذ وجوده في هذه الدّنيا إلى تحصيل الكمال، ونشأت الأفكار والفلسفات من أجل تحقيق ذلك الهدف الأسمى وهو تكميل النّفس البشرية بالقيم والفضائل، وجعلها أساسًا للعمران؛ وصولًا إلى تحصيل السعادة في الدّارين.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن الأديان السماوية التي بعث بها الأنبياء ما زالت تحثُّ البشرية على سلوك ذلك السبيل القويم، وتبيّن لهم محاسن الأخلاق وترشدهم إليها، وتحذّرهم من أسباب الهلاك ومواطن الشرور التي تنحدر بالنفس الإنسانية إلى مستنقعات الفساد الأخلاقي، إلى أن بعث الله نبيّنا ﷺ متمّمًا لدعوات النبيّين، ومرشدًا إلى أعظم الفضائل وأجلّ الكمالات، فالرسالة المحمدية في مفهومها الشامل تدعو إلى الأخلاق الربانية، التي صارت حقيقة راسخة في كلِّ تشريعاتها من عبادات أو معاملات.

ومن هذا المنطلق يأتي دور الفتوى في تبليغ الأحكام الشّرعيّة في كافّة مناحي الحياة من خلال ذلك الأساس الأخلاقي الذي بُنيت عليه الشّريعة، مع ضرورة المواجهة العلمية الجادّة للأطروحات الفكريّة التي تدعو إلى الانسلاخ من القيم الأخلاقية المشتركة.
كما لفت فضيلته النظر إلى أنّنا إذ نقرُّ بضرورة التعايش المشترك بين مختلف الأعراق والأجناس والثقافات والأديان؛ فإنّه لا بدَّ من إيجاد صيغة مشتركة للتّفاهم حول المعايير الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية في كافّة المجالات، ووضع المنظومة الأخلاقية في أولويات مبادئ التقدّم الصناعيِّ والتّقنيِّ، خاصّة فيما يتعلَّق بتطبيقات الذكاء الاصطناعيّ، وجعلها أحد الموجّهات الرئيسية في بناء فلسفة العلوم، لا سيّما العلوم التجريبية والاجتماعية، وفي حلّ الأزمات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وفي نزع فتيل الصراعات المسلّحة والحروب الكارثية التي فقدت ميزان العدالة والأخلاق، مع ضرورة المحافظة على الخصوصيات الدّينية والثقافية، ومراعاة الأعراف المجتمعية.

وأضاف: لا بدّ من الاعتراف أنّنا أمام أزمة أخلاقية ونفسية وروحية، صنعتها محاولات الهيمنة والسيطرة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، التي يقوم بها من يريدون إخضاع العالم لنموذج أحاديّ، تغيب عنه الرؤية الأخلاقية، وتتحكّم فيه نظرة ماديّة تركت فراغًا روحيًّا عميقًا في النفوس، أدَّى إلى وجود نزعتي التّطرّف والانحلال، اللّذين يشتركان في إهمال الجانب الروحيّ وغياب السّقف الأخلاقي رغم اتّجاههما المتضادّ، إضافة إلى الأزمات العالمية التي تكرّس انتشار الفقر والجوع وغياب العدالة، وكذلك غياب الوعي والضمير الإنساني الأخلاقي في منع الصراعات، ووقف الاحتلال العسكريّ الغاشم الذي يمارس الإبادة ضدّ المدنييّن في فلسطين وغيرها من دول العالم، ولا شكّ أنّنا في ظلّ هذه التحديات نتحمّل مسؤولية كبرى تفرض علينا توظيف العمل الإفتائيّ في ترسيخ منظومة القيم والأخلاق الدينية والإنسانية للخروج من هذه الأزمة، وهو ما نأمله من هذا المؤتمر الذي يضمّ نخبة من العلماء والمؤسسات الدّينيّة المؤثّرة.

وأشار إلى أنَّ من نعم الله تعالى علينا هذه المظلّة المباركة؛ مظلّة الأمانة العامّة التي تجمع تحتها ثلّة من كبار علماء الأمّة في العالم الإسلاميّ بأكمله، وقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى أن جعلنا مبلّغين لدينه ساعين لحفظ مقاصد شرعه، وهي أمانة عالية وتكليف عظيم يتطلّب من كلّ منّا القيام بواجبه من خلال تكاتف الجهود، وشدّ سواعد الهمّة للوصول إلى حلول ناجزة تدفع بأمّتنا العربيّة والإسلاميّة لمزيد من التّقدّم والرّقيّ من ناحية، وتحفظ عليه مبادئه وأخلاقه وقيمه السامية في ظلّ تلك الضغوط التي نتعرّض لها للاستجابة لتضييع الحقوق، وهدم القيم، وسيولة الأخلاق، وتزييف الحقائق.

وفي ختام كلمته توجّه بالشّكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته للمؤتمر، مُكرِّرًا ترحيبه بالضّيوف الكرام، راجيًا لهم التّوفيق والسّداد في تحقيق الغاية العظيمة التي اجتمعوا من أجلها، وأن تسفر جهودهم وأوراقهم البحثيّة ومناقشاتهم العلمية الجادّة المنعقدة خلال المؤتمر وورش عمله عن استكمال الرؤية العلمية لمواجهة تحديات المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى